مـنـتـديـات الـقـصـيـر الـبـحـر الأحـمــر
الزكاة Image007



عزيزي الزائر king

عزيزتي الزائرة queen

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي

سنتشرف بتسجيلك

شـكــرا flower

إدارة الـمـنـتــدى farao


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مـنـتـديـات الـقـصـيـر الـبـحـر الأحـمــر
الزكاة Image007



عزيزي الزائر king

عزيزتي الزائرة queen

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا

او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي

سنتشرف بتسجيلك

شـكــرا flower

إدارة الـمـنـتــدى farao
مـنـتـديـات الـقـصـيـر الـبـحـر الأحـمــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الزكاة

اذهب الى الأسفل

اسلامى الزكاة

مُساهمة من طرف شريف محمد الثلاثاء 25 مايو 2010, 12:40 am

الباب الأول
وجوب الزكاة ومنزلتها في الإسلام
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


تحديد السنة لنصب الزكاة ومقاديرها
جاءت السنة ببيان الأموال التي تجب فيها الزكاة، ونصاب كل منها، ومقدار الواجب فيها، وفصلت القول في الأشخاص والجهات التي تصرف لها وفيها الزكاة، وهي المذكورة في آية: (إنما الصدقات...) (التوبة:60)، وسنفصل القول في ذلك كله فيما بعد - ولكن الذي يهمنا معرفته هنا هو تاريخ فرض هذه الزكاة ذات النصب والمقادير المحددة.
فقد عرفنا أن الزكاة المطلقة غير المقدرة فرضت في مكة، كما اخترناه ورجحه كثير من الأمة، وكما دلت عليه آيات القرآن وأحاديث الرسول. وعرفنا أن القرآن المدني أكد وجوب الزكاة، وفصل بعض أحكامها، وأن السنة هي التي تولت تفصيل ما أجمله القرآن، وبينت النصب والمقادير والحدود، فمتى وقع هذا التحديد في العهد المدني؟ أو بعبارة أخرى: في أي سنة بعد الهجرة وقع فرض الزكاة المحدودة؟.
المشهور المتعالم: أنها فرضت في السنة الثانية من الهجرة، قيل: قبل فرض رمضان، وإليه أشار النووى في باب "السير" في الروضة.[/size]
ويعكر عليه ما ثبت عند أحمد وابن خزيمة والنسائي وابن ماجة والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ثم نزلت فريضة الزكاة" (الحديث).
قال الحافظ: إسناده صحيح. وهو دال على أن فرض صدقة الفطر كان قبل فرض الزكاة، فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان. وقد اتفقوا على أن صيام رمضان إنما فرص بعد الهجرة، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف (فتح الباري: 3/171).
وجزم ابن الأثير في تاريخه: أن فرض الزكاة كان في السنة التاسعة من الهجرة، وقوى بعضهم ما ذهب إليه بما وقع في قصة ثعلبة بن حاطب المطولة ففيها: "لما نزلت آية الصدقة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عاملاً يأخذها منه. فقال: ما هذه إلا جزية، وأخت الجزية".. والجزية إنما وجبت في التاسعة، فتكون الزكاة في التاسعة.
قال في الفتح: ولكن الحديث ضعيف لا يحتج به (بل قال في تخريج الكشاف ص77: ضعيف جدًا).
واستدل الحافظ على أن فرض الزكاة كان قبل التاسعة بحديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة (في الصحيحين) الذي جاء يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وينشده الله أن بصدقة الجواب في عدة أمور كان منها: أنشدك الله، الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ قال "نعم". وكان قدوم ضمام سنة خمس. وإنما الذي وقع في التاسعة بعث العمال لأخذ الصدقات، وذلك يستدعى تقدم فرضية الزكاة قبل ذلك (فتح الباري - المرجع السابق). على أن آية: (إنما الصدقات).التي رد الله بها على الطامعين الذين إذا أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون، وهم المنافقون الذين طعنوا في قسمة النبي - صلى الله عليه وسلم - للصدقات - هذه الآية تدل على أن الزكاة كانت قائمة ومنفذة فعلاً، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يتولى أمرها وتوزيعها، وذلك قبل نزول هذه الآية بلا ريب.
الزكاة بعد الصيام
والذي يتبين لنا من مجموع الأخبار والآثار، والنظر في تاريخ تشريع الفرائض الإسلامية المعروفة: أن الصلوات الخمس كانت أول ما فرض على المسلمين، وذلك في مكة ليلة الإسراء كما هو متعالم، ثم فرض بعدها الصيام بالمدينة في السنة الثانية، وفرضت معه زكاة الفطر، طهرت للصائم من اللغو والرفث، وإغناء للمساكين في يوم العيد. ثم فرضت الزكاة في الأموال بعد ذلك. أعني الزكاة المحدودة ذات النصب والمقادير، إلا أننا لا نجد دليلاً حاسمًا على تعيين السنة التي وقع فيها هذا التحديد. وفي حديث ضمام بن ثعلبة الذي وفد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السنة الخامسة ما يرجح أن الزكاة كانت مفروضة معروفة قبل قدومه، كما ذكر الحافظ ابن حجر.
ذكر ابن مفلح في " الفروع " ما رواه الوالبي عن ابن عباس قال: إن الله بعث نبيه - صلى الله عليه وسلم -، بشهادة أن لا إله إلا الله فلما صدقوا بها زادهم الصلاة، فلما صدقوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا به زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الحج، فلما صدقوا به زادهم الجهاد. ثم أكمل لهم دينهم، فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينًا) (المائدة:3).. وكذلك ذكر ابن عقيل في " الواضح " في مسألة النسخ: أن الزكاة بعد الصوم " (الفروع في الفقه الحنبلي: 2/317، 318 - ط. ثانية).[/size]


الزكاة ثالثة دعائم الإسلام
أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة فرضية الزكاة وبين مكانها في دين الله، وأنها أحد الأركان الأساسية لهذا الدين، ورغب في أدائها ورهب من منعها بأحاديث شتى، وأساليب متنوعة، تقرأ في حديث جبريل المشهور حين جاء يعلم المسلمين دينهم بحسن السؤال: أنه سأل - النبي - صلى الله عليه وسلم - ما الإسلام؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً" (متفق عليه). وفي حديث ابن عمر المشهور: "بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً " (متفق عليه). أعلن الرسول عليه السلام في هذين الحديثين وغيرهما أن أركان الإسلام خمسة، بدأها بالشهادتين، وثناها بالصلاة، وثلثها بالزكاة. فالزكاة في السنة - كما هي في القرآن - ثالثة دعائم الإسلام، التي لا يقوم بناؤه إلا بها، ولا يرتكز إلا عليها. وقد يكتفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحيان بذكر بعض هذه الأركان الخمسة دون بعض، بيد أن الصلاة والزكاة كانتا دائمًا في مقدمة ما يأمر به، ويدعو إليه، ويبايع عليه. ومن ذلك حديث ابن عباس في الصحيحين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذ (قال الشوكاني: كان بعثه سنة عشر قبل حج النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره البخاري في أواخر المغازى، وقيل: كان ذلك سنة تسع عند منصرفه من تبوك... وقيل بعثه عام الفتح سنة ثمان... واتفقوا على أنه لم يزل باليمن إلى أن قدم في عهد أبى بكر، واختلفوا هل كان واليًا أو قاضيًا؟ فجزم ابن عبد البر بالثاني والنسائي بالأول (نيل الأوطار: 4/115 المطبعة العثمانية المصرية - طبعة أولى). بن جبل إلى اليمن فقال له: " إنك تأتى قومًا من أهل الكتاب (قال له ذلك تنبيهًا على أهمية الوصية لتستجمع همته عليها؛ لأن أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا يكون في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان)فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك (بالإقرار بوجوبها عليهم والتزامهم بها أو امتثالهم بالفعل). فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم (اكتفي بذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك، وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء).، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم (الكرائم: جمع كريمة، أي نفيسة فلا يجوز للجابي أخذ خيار المال، لئلا يجحف بالمالك إلا برضاه). [/size]واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
وإنما اقتصر على الصلاة والزكاة لشدة اهتمام الشارع بهما، وخاصة إذا كان المقام مقام الدعوة إلى الإسلام، فيكتفي بهما مع الشهادة (أما ما أجاب به ابن الصلاح: أن ذلك تقصير من بعض الرواة، فتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الثقة بكثير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان "نيل الأوطار:4/116") كما في قوله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة: 11).
وقد دل الحديث على بعث السعاة الذين يقومون بجمع الزكاة وتفريقها، وأن الزكاة من شأنها أن تؤخذ لا أن تترك للأفراد وحدهم، وهو تأييد لآية: (خُذ من أموالهم صدقة) (التوبة:103).
ويروى البخاري عن جرير بن عبد الله قال: "بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".
وفي حديث ابن عمر في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة "... (الحديث).
والمراد بالناس هنا: الوثنيون من العرب، الذين نكثوا العهود وتعدوا الحدود، ولم يعد إلى مسالمتهم من سبيل، إذ لم يكن لهم دين يردعهم، ولا قانون يهيمن عليهم، ولا حاكم يأتمرون بأمره. قد أراد الله أن تكون أرض العرب حرم الإسلام ومعقله، فلا بد من تطهيرها من رجس الشرك، ورواسب الجاهلية العمياء المتجبرة في الأرض. وفي حديث أنس - عند البزار - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"من فارق الدنيا على الإخلاص لله وعبادته لا يشرك به، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض". قال أنس: وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث، واختلاف الهواء. وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل، قال الله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) (التوبة: 5). قال: توبتهم خلع الأوثان، وعبادة ربهم، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. ثم قال في آية أخرى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (تفسير ابن كثير:2/236 - والآية من سورة التوبة: 11).


التحذير الشديد من منع الزكاة
وفي أحاديث أخرى: أنذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مانعى الزكاة بالعذاب الغليظ في الآخرة؛ لينبه بهذا الوعيد القلوب الغافلة، ويحرك النفوس الشحيحة إلى البذل، ويسوقها بعصا الترغيب والترهيب إلى أداء الواجب طوعًا، وإلا سيقت إليه بعصا القانون وسيف السلطان كرهًا.[/size]
العذاب الأخروي
روى البخاري عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع، له زبيبتان، يُطَوِّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعنى بشدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) (آل عمران: 180). الشجاع: الحية الذكر... والأقرع: الذي لا شعر له، لكثرة سمه، وطول عمره. الزبيبتان: نقطتان سوداوان فوق العينين وهو أخبث الحيات.
وروى مسلم عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدِّى حقها إلا جُعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أُحْمِىَ عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما [/size]
إلى النار. وما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدى حقها إلا أُتِىَ بها يوم القيامة تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مضى عليه أخراها رُدَّت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون. ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ".
العقوبة الدنيوية لمن منع الزكاة:.
ولم تقف السنة عند حد الوعيد بالعذاب الأخروي لمن يمنع الزكاة. بل هددت بالعقوبة الدنيوية - الشرعية والقدرية - كل من يبخل بحق الله وحق الفقير في ماله. وفي العقوبة القدرية - التي يتولاها القدر الأعلى - يقول عليه الصلاة والسلام: "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين" (رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات، والحاكم البيهقي في حديث إلا أنهما قالا: "ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر" وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. الترغيب والترهيب: 1/270 - ط. المنبرية. ومجمع الزوائد: 3/96) - جمع سنة - وهي المجاعة والقحط. وفي حديث ثان: "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا" (رواه ابن ماجة والبزار البيهقي واللفظ له من حديث ابن عمر - المصدر نفسه. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وله شواهد، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني - الحديث رقم "105"). وفي حديث آخر: "ما خالطت الصدقة - أو قال: الزكاة - مالاً إلا أفسدته" (رواه البزار البيهقي كما في الترغيب. وقال في المنتقى: رواه الشافعي والبخاري في تاريخه والحميدي وزاد: يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال. نيل الوطار: 4/126) .
وهذا الحديث يتحمل معنيين كما قال المنذري
الأول: أن الصدقة - بمعنى الزكاة - ما تركت في مال ولم تخرج منه إلا كانت سببًا في هلاكه وفساده. ويشهد لهذا المعنى ما روى في حديث آخر: "ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة" [/size](قال في مجمع الزوائد (3/93): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بن هارون وهو ضعيف).
الثاني: أن الرجل يأخذ الزكاة وهو غنى عنها، فيضعها مع ماله، فيهلكه. وبهذا فسر الإمام أحمد (الترغيب والترهيب، المرجع السابق).
العقوبة الشرعية لمانع الزكاة
وفي العقوبة الشرعية القانونية - التي يتولاها الحاكم أو ولى الأمر - جاء قوله - صلى الله عليه وسلم - في الزكاة: "من أعطاها مؤتجرًا فله أجره، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شئ" (رواه أحمد والنسائي وأبو داود من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده " معاوية بن حيدة "، ورواه البيهقي في سننه: 4/105، وقال هذا حديث أخرجه أبو داود في "السنن". فأما البخاري ومسلم رحمهما الله فلم يخرجاه، جريًا على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راوٍ واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين. ومعاوية بن حيدة القشيري لم يثبت عندهما رواية ثقة عنه غير ابنه فلم يخرجا حديثه في الصحيح والله أعلم. وتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بما يدل على أن عادة الشيخين التي ذكرها البيهقي غالبة لا مطردة، وانظر الكلام على الحديث في نيل الأوطار: 4/312 - ط. العثماينة -سيأتي مزيد من كلام عن هذا الحديث في الباب الخامس، فليراجع هناك-).
تضمن هذا الحديث الكريم جملة مبادئ هامة في باب الزكاة أحدها: أن الأصل في الزكاة أن يعطيها المسلم مؤتجرًا، أي طالبًا الأجر، ومحتسبًا الثواب عند الله تعالى، لأنه يتعبد لله بأدائها، فمن فعل ذلك فله أجره، ومثوبته عند ربه.
الثاني: أن من غلب عليه الشح وحب الدنيا، ومنع الزكاة لم يترك وشأنه، بل تؤخذ منه قهرًا، بسلطان الشرع، وقوه الدولة، وزيد على ذلك فعوقب بأخذ نصف ماله تعزيرًا وتأديبًا لمن كتم حق الله في ماله، وردعًا لغيره أن يسلك سبيله.
وقد قيل: إن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ (ذكر ذلك الشيرازي في المهذب "المجموع: 5/332" ورد عليه النووي ص 334)، ولكن لا دليل على النسخ، ولا يثبت بالاحتمال. والذي أراه: أن هذه عقوبة مفوضة إلى تقدير الإمام. ينفذها حيث يرى تمادى الناس في منع الزكاة، ولم يجد سبيلاً لزجرهم غير هذا. وسنعود لهذه المسألة في باب "أداء الزكاة".
الثالث: أن هذا التشديد في أمر الزكاة إنما هو لرعاية حق الفقراء والمستحقين الذين فرض الله لهم الزكاة، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله، فليس لهم نصيب في هذه الزكاة ولا يحل لهم منها شئ. على خلاف ما عرف في الصدقات عند اليهود، حيث كان عُشرها مخصصًا لآل هارون (اللاويين)الذين كانوا كهانًا بالنسل والوراثة , وكان جزء آخر منها يصرف إلى أصحاب المناصب الدينية (انظر: الأركان الأربعة للأستاذ أبى الحسن الندوي ص129).


قتال الممتنعين من أداء الزكاة
ولم يقف الإسلام عند عقوبة مانع الزكاة بالغرامة المالية، أو بغيرها من العقوبات التعزيرية، بل أوجب سل السيوف وإعلان الحرب على كل فئة ذات شوكة تتمرد على أداء الزكاة. ولم يبال في سبيل ذلك بقتل الأنفس، وإراقة الدماء التي جاء لصيانتها والمحافظة عليها.لأن الدم الذي يراق من أجل الحق لم يضع هدرًا. النفس التي تقتل في سبيل الله وإقامة عدله في الأرض لم تمت. ولن تموت.
هذا إذا نظرنا إلى أنفس المؤمنين المقاتلين من أجل الحق، المدافعين عن شرع الله. أما أنفس الآخرين الذي عصوا الله ورسوله، وامتنعوا من أداء حقه، ولم يرعوا أمانة ما استخلفهم فيه من ماله، فقد أهدروا هم بتصرفهم ما ثبت لهم من الحرمة، ونقضوا - بسبب سلوكهم - ما لأنفسهم وأموالهم من العصمة. وهذا الأمر - قتال المتمردين على الزكاة - قد ثبت بالأحاديث الصحيحة وبإجماع الصحابة رضى الله عنهم. أما الأحاديث فقد روى الشيخان عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم [/size]
-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله". وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". (أخرجه الشيخان والنسائي وأخرج مسلم والنسائي نحوه من حديث جابر بن عبد الله) (نيل الأوطار: 4/121 - ط. العثمانية). فهذه الأحاديث تدل دلاله صريحة على أن مانع الزكاة يُقاتل حتى يعطيها. والظاهر أنها بهذه الألفاظ الصريحة لم تبلغ الصدَّيق ولا الفاروق (ليس بمستغرب، فقد يسمع بعض الصحابة ما لم يسمع الآخر، وقد قال عمر في حديث أبى موسى في الاستئذان: ألهاني عنى الصفق بالأسواق. ولا يبعد أن يكون الصديق قد سمع الحديث الصريح ولكنه رد على عمر أخذًا من الحديث الذي احتج به نفسه فقلب عليه حجته واستظهر بهذا الدليل النظري).رضى الله عنهما، حين تحاورا في جواز قتال مانعي الزكاة إذا أقروا بشرائع الإسلام الأخرى كالصلاة والصيام. ففي عهد الخليفة الأول لرسول الله، تمردت قبائل شتى من العرب على أداء الزكاة واكتفوا من الإسلام بالصلاة دون الزكاة، وظاهروا بموقفهم المرتدين المارقين الذين اتبعوا زعماءهم من أدعياء النبوة، مثل مسيلمة الكذاب وقومه، سجاح وقومها، وطليحة الأسدي وقومه. كان موقف أبى بكر موقفًا تاريخيًا فذًا، فلم يقبل التفرقة أبدًا بين العبادة البدنية (الصلاة) والعبادة المالية (الزكاة) ولم يقبل التهاون في أي شئ كان يؤدى لرسول الله ولو كان عنزة صغيرة أو عقال بعير. ولم يثن من عزمه: تحفزات المتنبئين الكذابين، وما يتوقع من خطرهم على المدينة، ولم يضعف من إصراره على قتالهم اشتباه بعض الصحابة في أمرهم.
ولندع راوية الصحابة الأول أبا هريرة - رضى الله عنه - يروى لنا هذا الموقف الرائع: قال لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب فقال عمر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى"؟.
فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبى بكر للقتال، فعرفت أنه الحق (رواه الجماعة إلا ابن ماجة). وفي رواية بعضهم: "عقالاً" بدل "عناقًا" (نيل الأوطار: 4/119 - ط العثمانية. والعناق: الأنثى من أولا المعز، والعقال: الحبل الذي يعقل به البعير. وقيل: العقال زكاة عام وله شواهد في اللغة، ورد بعض المحققين بأنه تعسف وذهاب عن طريقة العرب، لأن الكلام خرج مخرج التشديد والتضييق والمبالغة، فيقتضي قلة ما علق به العقال وحقارته، وإذا حمل على صدقة العام لم يحصل هذا المعنى.- المرجع نفسه).
تعلق الفاروق بظاهر الكلام دون أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه، فرأي أن الدخول في الإسلام يعصم الدم والمال كما هو عموم الحديث.
واحتج الصديق بأمرين:
أحدهما: نص الحديث الذي علق هذه العصمة على شرط فقال: "إلا بحقها" والزكاة حق المال، وهذا لا يخالف فيه عمر ولا غيره.
وثانيهما: قياس الزكاة على الصلاة، فهي أختها وقرينتها في كتاب الله وسنة رسوله. ويبدو من احتجاج أبى بكر: أن عمر والصحابة كانوا مجمعين على قتال الممتنع جهرة من الصلاة، فرد المختلف فيه إلى المتفق عليه. فلما استقر عند عمر صحة رأي أبى بكر، وتبين له صوابه: تابعه على قتال القوم، وهو معنى قوله: "فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق "يشير - كما قال الخطابى - إلى الحجة التي أدلى بها، والبرهان الذي أقامه نصًا ودلالة (نفس المصدر ص120، وانظر معالم السنن: 2/165). هذا ما صنعه الخليفة الأول أبو بكر الصديق - رضى الله عنه - بمن أصر من العرب على منع الزكاة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما أقره عليه الصحابة الأعلام، الذين أجمعوا معه على قتالهم، حتى من اشتبه أول الأمر في شأنهم. وبهذا صار قتال الممتنعين عن الزكاة من مواضع الإجماع في شريعة الإسلام. قال الإمام النووي: إذا منع واحد أو جمعٌ الزكاة وامتنعوا بالقتال، وجب على الإمام قتالهم، لما ثبت في الصحيحين من رواية أبى هريرة: أن الصحابة - رضى الله عنهم - اختلفوا أولاً في قتال مانعي الزكاة، ورأي أبو بكر - رضى الله عنه - قتالهم، واستدل عليهم، فلما ظهرت لهم الدلائل وافقوه، فصار قتالهم مجمعًا عليه. ولعل الدولة الإسلامية في عهد أبى بكر هي أول دولة - فيما يعرف التاريخ - تقاتل من أجل حقوق الفقراء والمساكين والفئات الضعيفة في المجتمع، التي طالما أكلتها الطبقات القوية، ولم تجد عونًا لدى الحكام الذين كانوا يقفون دومًا في صف الأغنياء والأقوياء. هذا ولم يبال أبو بكر ولا من معه من الصحابة بتلك الشبهة الواهية التي تعلق بها بعض المانعين للزكاة.
فقد تمسك أولئك بظاهر الآية الكريمة من سورة التوبة: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم، إن صلاتك سكن لهم، والله سميع عليم) (المجموع: 5/334 - والآية من سورة التوبة: 103).
قالوا: فهذا: خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقتضي بظاهره اقتصاره عليه، فلا يأخذ الصدقة سواه، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه، وزوال تكليفها بموته. وقالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطينا عوضًا عن الزكاة التطهير والتزكية لنا، والصلاة علينا، وصلاته سكن لنا، وقد عدمنا ذلك من غيره. والشبهة التي تمسك بها القوم واهية الأساس، حتى قال القاضي أبو بكر بن العربى: هذا كلام جاهل بالقرآن، غافل من مآخذ الشريعة، متلاعب بالدين، متهافت في النظر (أحكام القرآن:2/995).
فإن الخطاب وإن كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأصل، فهو خطاب لكل من يقوم بأمر الأمة من بعده. فهو ليس من الخطاب الخاص به - صلى الله عليه وسلم - مثل: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك)... الآية (الأحزاب: 50)، ومثل: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) (الإسراء: 79).. ففي هاتين الآيتين دليل على الخصوصية لم يوجد مثله في الآية الكريمة التي استندوا إليها.
قال الإمام الخطابى: خطاب كتاب الله على ثلاثة أوجه:. خطاب عام كقوله تعالىSadيا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم).... الآية (المائدة: 6)، ونحوها. وخطاب خاص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يشركه فيه غيره وهو ما أبين به عن غيره بسمة التخصيص، وقطع التشريك. كقوله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) (الإسراء: 79)، وكقولهSadخالصة لك من دون المؤمنين) (الأحزاب: 50). وخطاب مواجهة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو وجميع أمته في المراد به سواء - كقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) (الإسراء: 78)، وكقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) (النحل: 98).. ونحو ذلك. ومنه قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) (التوبة: 103).. وهذا غير مختص به بل تشاركه فيه الأمة. والفائدة في مواجهة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب أنه هو الداعي إلى الله، المبين عنه معنى ما أراده، فقدم اسمه ليكون سلوك الأمة في شرائع الدين على حسب ما ينهجه لهم. وما قالوه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطيهم عوضًا عن الصدقة التطير والتزكية والصلاة عليهم، ولا يوجد ذلك من غيره - فدعوى غير مسلمة. فإن التطهير والتزكية إنما يتمان بواسطة الزكاة فهي أداة التطهيرSadتطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة:103)، وهذا لا يختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - . وكذلك الصلاة عليهم - بمعنى الدعاء لهم - فكان من يأخذ الزكاة: من الإمام أو نائبه، مأمور أن يدعو لمعطيها بالبركة والأجر ففي هذا الدعاء لرب المال سكينة لنفسه وتثبيت لقلبه، وفقًا لسنة الله في الأسباب والمسببات . وهذا أمر ملموس، ولا يختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان دعاؤه في المقام الأسمى من التأثير في سكن النفس وطمأنينتها. ولذا قال العلماء: وأما التطهير والتزكية والدعاء منه - صلى الله عليه وسلم - لصاحب الصدقة. فإن الفاعل لها قد ينال ذلك كله بطاعة الله وطاعة رسوله فيها. وكل ثواب على عمل بر كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - فهو باق غير منقطع (انظر معالم السنن للخطابي: 2/165، وأحكام القرآن لابن العربى قسم 2 ص 994 - 996. ونيل الأوطار للشوكاني: 4/102، 103 - ط. مصطفي البابي الحلبي 1347 هـ). وهذا صنف ممن خرج على أبى بكر، وهم أمثلهم طريقة، وغيرهم كفر بالله كفرًا صريحًا من غير تأويل، وأنكر النبوة، وساعد مسيلمة الكذاب ومن شابهه من مدعى النبوة، وجحد وجوب الصلاة والزكاة (نفس المرجع السابق).
الزكاة مما علم من الدين بالضرورة
والمهم بعد ذلك أن نعلم أن الزكاة مما علم من الدين بالضرورة، وأنها أحد أركان الإسلام، وتناقل ذلك الخاص والعام، وأن فرضيتها ثبتت بالآيات القرآنية الصريحة المتكررة، وبالسنة النبوية المتواترة، وبإجماع الأمة كلها خلفًا عن سلف، وجيلاً إثر جيل [/size]بل قال بعض العلماء: إن العقل أيضًا دل على فرضيتها، كما دل الكتاب والسنة والإجماع، ومراده عقل المسلم الذي يؤمن بحكمة الله تعالى ورحمته بخلقة، وذلك من وجوه ذكرها صاحب "البدائع": (3/3). أحدهما: أن أداء الزكاة من باب إعانة الضعيف، وإغاثة اللهيف، وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروضة.
الثاني: أن الزكاة تطهر نفس المؤدى من أنجاس الذنوب، وتزكى أخلاقه بتخلق الجود والكرم، وترك الشح والضن، إذ النفس مجبولة على الضن بالمال، فتتعود السماحة، وترتاض لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها، وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى:
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها).
والثالث:أن الله تعالى قد أنعم على الأغنياء، وفضلهم بصنوف النعمة والأموال الفاضلة عن الحوائج الأصلية، وخصهم بها، فيتنعمون ويستمتعون بلذيذ العيش. وشكر النعمة فرض عقلاً وشرعًا. وأداء الزكاة إلى الفقير من باب شكر النعمة فكان فرضًا.


جاحد الزكاة كافر
وإذا كان هذا هو مكان فريضة الزكاة من شرائع الإسلام؛ فقد قرر العلماء: أن من أنكرها، وجحد وجوبها، فقد كفر، ومرق من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.
قال النووي: إذا امتنع من أداء الزكاة منكرًا لوجوبها، فإن كان ممن يخفي عليه ذلك لكونه قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة أو نحو ذلك: لم يحكم بكفره، بل يعرف وجوبها، وتؤخذ منه، فإن جحدها بعد ذلك: حكم بكفره.
وإن كان ممن لا يخفي عليه ذلك، كمسلم مختلط بالمسلمين؛ صار بجحدها كافرًا، وجرت عليه أحكام المرتدين، من الاستتابة والقتل وغيرهما، لأن وجوب الزكاة معلوم من دين الله تعالى ضرورة، فمن جحد وجوبها فقد كذب الله، وكذب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فحكم بكفره انظر المجموع:5/334. وهذا الذي قرره النووي، قرره كذلك ابن قدامة المغنى: 2/573 - الطبعة الثالثة ط. المنار.وغيره من فقهاء الإسلام. وبهذا الحكم الشرعي الواضح الصريح المجمع عليه، نعرف مكان أولئك الذين يحقرون من شأن الزكاة، ويجهرون بأنها لا تصلح لهذا العصر، وهم أبناء مسلمين، ناشئون في قلب ديار الإسلام. إنها "ردة ولا أبا بكر لها" (عنوان رسالة لطيفة للسيد أبى الحسن الندوى).
[/size]


فروق أساسية بين الزكاة في الإسلام والزكاة في الأديان الأخرى
بعد أن بينا فرضية الزكاة ومنزلتها في دين الإسلام، مستندين إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة، نستطيع أن نسجل بعض الملاحظات المهمة الموجزة حول هذه الفريضة، التي تميزها عما دعت إليه الأديان السابقة من البر والإحسان إلى الفقراء والضعفاء.[/size]
أولاً: إن الزكاة الإسلامية لم تكن مجرد عمل طيب من أعمال البر، وخلة حسنة من خلال الخير، بل هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته الأربع، يوصم بالفسق من منعها، ويحكم بالكفر على من أنكر وجوبها، فليست إحسانًا اختياريًا ولا صدقة تطوعية، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الخلقي والشرعي.
ثانيًا: إنها في نظر الإسلام حق للفقراء في أموال الأغنياء. وهو حق قرره مالك المال الحقيقي وهو الله تعالى، وفرضه على من استخلفهم من عباده فيه، وجعلهم خزانًا له، فليس فيها معنى من معنى التفضل والامتنان من الغنى على الفقير، إذ لا منة لأمين الصندوق إذا أمره صاحب المال بصرف جزء من ماله على عياله.
ثالثًا: إنها "حق معلوم" قدر الشرع الإسلامي نصبه ومقاديره وحدوده وشروطه، ووقت أدائه وطريقة أدائه. حتى يكون المسلم على بينة من أمره، ومعرفة بما يجب عليه، وكم يجب؟ ومتى يجب؟ ولم تجب؟.
رابعًا: هذا الحق لم يوكل لضمائر الأفراد وحدها، وإنما حملت الدولة المسلمة مسئولية جبايتها بالعدل وتوزيعها بالحق. وذلك بواسطة " العاملين عليها "فهي ضريبة" تؤخذ "وليست تبرعًا يمنح. ولهذا كان تعبير القرآن الكريمSadخذ من أموالهم صدقة) (التوبة: 103)، وتعبير السنة: أنها "تؤخذ من أغنيائهم".
خامسًا: إن من حق الدولة أن تؤدب - بما تراه من العقوبات المناسبة - كل من يمتنع من أداء هذه الفريضة. وقد يصل هذا إلى حد مصادرة نصف المال، كما في حديث: "إنا آخذوها وشطر ماله".
سادسًا: إن أي فئة ذات شوكة تتمرد على أداء هذه الفريضة. فإن من حق إمام المسلمين - بل من واجبه - أن يقاتلهم ويعلن عليهم الحرب حتى يؤدوا حق الله وحق الفقراء في أموالهم. وهذا ما صرحت به الأحاديث الصحيحة، وما طبقه الخليفة الأول أبو بكر ومن معه من الصحابة الكرام، رضى الله عنهم.
سابعًا: إن الفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة العظيمة وإقامة هذا الركن الأساسي في الإسلام، وإن فرطت الدولة في المطالبة بها، أو تقاعس المجتمع عن رعايتها. فإنها - قبل كل شئ - عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويزكى بها نفسه وماله، فإن لم يطالبه بها السلطان، طالبه بها الإيمان والقرآن. وعليه - ديانة - أن يعرف من أحكام الزكاة ما يمكنه من أدائها على الوجه المشروع المطلوب.
ثامنًا: إن حصيلة الزكاة لم تترك لأهواء الحكام. ولا لتسلط رجال الكهنوت - كما كان الحال في اليهودية - ولا لمطامع الطامعين من غير المستحقين، تنفقها كيف تشاء، بل حدد الإسلام مصارفها ومستحقيها كما في آيةSadإنما الصدقات للفقراء والمساكين) (التوبة: 6)، وكما فصَّلت ذلك السنة بدقة ووضوح. فقد عرف البشر من تجاربهم أن المهم ليس هو جباية المال. إنما المهم هو أين يصرف؟ ولذلك أعلن - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحل له ولآله منها شيء - وإنما تؤخذ من أغنياء كل إقليم لترد على فقرائه فهي منهم وإليهم.
تاسعًا: إن هذه الزكاة لم تكن مجرد معونة وقتية. لسد حاجة عاجلة للفقير وتخفيف شيء من بؤسه. ثم تركه بعد ذلك لأنياب الفقر والفاقة. بل كان هدفها القضاء على الفقر، وإغناء الفقراء إغناءً دائمًا. يستأصل شأفة العوز من حياتهم. ويقدرهم على أن ينهضوا وحدهم بعبء المعيشة. وذلك لأنها فريضة دورية منتظمة دائمة الموارد، ومهمتها أن تيسر للفقير قوامًا من العيش. لا لقيمات أو دريهمات كما سنفصل ذلك في مصارف الزكاة.
عاشرًا: إن الزكاة - بالنظر إلى مصارفها التي حددها القرآن وفصلتها السنة - قد عملت لتحقيق عدة أهداف روحية وأخلاقية واجتماعية وسياسية. ولهذا تصرف على المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله، فهي أوسع مدى، وأبعد أهدافًا من الزكاة في الأديان الأخرى.
وبهذه المميزات يتضح لنا: أن الزكاة في الإسلام نظام جديد متميز يغاير ما جاءت به الديانات السابقة؛ من وصايا ومواعظ، ترغب في البر والإحسان، وتحذر من البخل والإمساك. كما أنها شىء آخر، يخالف الضرائب والمكوس التي كان يجبيها الملوك والأباطرة. وكانت كثيرًا ما تؤخذ من الفقراء لترد على الأغنياء، وتنفق على أبهة الحاكمين وترفهم وإرضاء أقاربهم وأنصارهم وحماية سلطانهم من الزوال.



تفنيد مزاعم "شاخت" عن طبيعة الزكاة
بعد هذه الصحائف المشرفة التي عرضناها عن طبيعة الزكاة ومكانتها في الإسلام، لا بأس من أن نعرض لبعض الدعاوى المظلمة الظالمة التي صدرت عن فئة لبست مسوح العلم، ولكنها لم تراع أمانته. لقد قال "شاخت" - فيما كتبه عن مادة "الزكاة " - في دائرة المعارف الإسلامية (الجزء العاشر ص358 من الترجمة العربية).: "وفي الحديث أحوال تؤدى فيها الزكاة، لا تتفق مع نظام الزكاة التي جاء بعد ذلك. ومهما يكن من شيء فإن طبيعة الزكاة في أيام النبي (- صلى الله عليه وسلم - ) كانت لا تزال غامضة، ولم تكن ضريبة من الضرائب التي يقتضيها الدين، ولذلك امتنع من أدائها كثير من قبائل الأعراب بعد وفاة النبي (عليه السلام) لأنهم اعتبروا أن معاهدتهم قد بطلت بوفة من عاهدوه على أدائها، وبعض المؤمنين - ومنهم عمر بن الخطاب نفسه - جنحوا إلى التسليم بذلك ". ولم يحدد " شاخت " هذه الأحاديث حتى نناقشه فيما زعم فلا قيمة إذن لهذا الزعم الأجوف. وهو يريد بقوله: " نظام الزكاة الذي جاء بعد ذلك " أنه نظام صنعه المسلمون في زمن متأخر عن عهد النبوة، فليس هذا النظام من صنع الوحى، ولكنه من صنع البيئة والتجارب البشرية التي استفاد فيها المسلمون من الفرس والروم وغيرهم ! وهي شنشنة نعرفها من "شاخت" وأمثاله.
فالحق الذي تثبته آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول الصحاح والحسان، وهدى الصحابة والراشدين من الخلفاء: أن نظام الزكاة نظام إسلامي صرف، وهذا النظام نسيج وحده، ولم يسبقه نظام ديني ولا وضعي شبيه به. ولا يملك المنصف إلا أن يقول فيه: "صبغة الله ! ومن أحسن من الله صبغة "؟ !، أما غموض الزكاة في عصر النبي فهذا أعجب وأدهى !.
ولا أدرى كيف يقول هذا باحث يدعى له التعمق في معرفة الفقه والشريعة الإسلامية، وكيف يستطيع هذا المستشرق إقامة البرهان على قوله: إن طبيعة الزكاة في أيام النبي (- صلى الله عليه وسلم - ) كانت غامضة. ولم تكن ضريبة من الضرائب التي يقتضيها الدين"؟.
أين هذا الغموض وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - الأموال التي تجب فيها الزكاة؟ وقد شملت كل الأموال النامية في البيئة العربية في عصر النبوة، من الأنعام والزروع والثمار، والذهب والفضة، كما حدد المقادير والنسب الواجبة من العُشر إلى نصفه إلى ربعه. كما بين وقت وجوبها وأنها في كل حول مرة، وفي الزروع في كل زرعة. وكذلك حدد المصارف التي تنفق فيها الزكاة، ونزل في ذلك القرآن، وفصلته الأحاديث. ثم بين طريقة أداء الزكاة، وذلك عن طريق الجهاز المختص بالتحصيل والتوزيع، الذي سماه القرآن: "العاملين عليها"، ومن هنا بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عماله وسعاته إلى مختلف الأقاليم والقبائل، ليجمعوا الزكاة ويفرقوها. وهذا أشهر من أن يذكر.
فهل يقال بعد هذا: إن طبيعة الزكاة كانت غامضة في عهد النبوة؟ وأعجب من ذلك أن يقول:" إنها لم تكن ضريبة من الضرائب التي يقتضيها الدين"!.
كيف هذا والرسول يذكرها كلما ذكر أركان الإسلام وفرائضه الأساسية؟ وقد رأيناه في بعض الأحاديث ربما سكت عن الحج أو الصيام، أما الصلاة والزكاة فهما دائمًا مع الشهادتين الأسس والدعائم التي لا يستغنى عن ذكرها. بل رأيناه يوجب القتال من أجلها. كما مضى في حديث ابن عمر وأبى هريرة وجابر، ورأيناه - صلى الله عليه وسلم - يكاد يذكر الصلاة والزكاة في كل معاهدة يعقدها مع القبائل التي تدخل في الإسلام، أو في كل كتاب يكتبه إليهم مع ولاته وعماله، أو مع وافديهم ومندوبيهم إليه. ومن المعلوم أن أهمية الصلاة ومنزلتها في دين الإسلام: لا ينكرها "شاخت"
شريف محمد
شريف محمد



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى