المعلوم من الفساد بالضرورة
2 مشترك
مـنـتـديـات الـقـصـيـر الـبـحـر الأحـمــر :: مـــجــلة مـنـتـــديــات القـصـــيـر :: أخـبـــــــار مــصــر
صفحة 1 من اصل 1
المعلوم من الفساد بالضرورة
عرف الناس مصطلحا يردده فقهاء الدين كثيرا، ولكن ربما لا يعرف الكثيرون ما هو المقصود به تحديدا، وهو مصطلح "المعلوم من الدين بالضرورة". والمعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يجوز للمسلم أن يجهله، فهو مما ثبت ثبوتا قطعيا بأنه من أحكام الدين اليقينية، التى لا يتطرق إليها ريب ولا شبهة أنها من شرع الله، مثل الصلاة والصيام والزكاة، ونحو ذلك، وأن المنكر لهذا المعلوم خارج عن الدين.
تلك القاعدة هى أيضا قانونية وسياسية بالأساس، ففى أى دولة أو نظام من لا يعترف بما هو معلوم من القانون بالضرورة هو خارج عليه، ومن لا يلتزم بالدستور فهو غير شرعي، بل أن هناك قاعدة قانونية تقول أن حتى الجهل بالقانون لا يعفى من العقاب به. وهكذا أسس العلماء والفقهاء مصطلح المعلوم بالضرورة على أنه يختلف باختلاف الأزمان والبلدان والأشخاص، وبالتالى يختلف حكمه على من يقع فيه.
ولكن فى عهدنا هذا من زماننا هذا فى بلدنا هذا، حيث اختلط الحابل بالنابل، وتداخلت المسلّمات فى المشبهات، لم يعد هناك شيء معلوم بالضرورة لا فى الدين ولا فى المبادئ العامة. فالطبيعى أن يكون هناك ما هو معلوم من الدين ومن القانون والأخلاق والتقاليد والأعراف والأصول بالضرورة، ولكن ما يحدث فى مصر شيء آخر ليس كمثله شيء.
فكل شيء فى المشهد العام فى مصر الآن كأنك تراه على سطح ماء، فكل شيء مختل ومهزوز ومشوش، ناهيك طبعا عن نوع الماء نفسه وجودته وصلاحيته.
ففى مصر المحروسة تجد مسؤولا فى المواصلات هو صاحب اتوبيسات وميكروباصات وتكتك، وتجد مسؤولا فى الصحة هو صاحب مستشفيات وعيادات، ومسؤولا فى الزراعة هو تاجر حبوب ومواشي، وتجد وزير العسل بياع عسل، على طريقة شهبندرات التجار فى العصر المملوكي.. على الرغم من أن المعروف من الحكم بالضرورة أنه لا يجب أن تولى صاحب مصلحة مسؤولا فى قطاعه، لأنه قد يستغل موقعه فى تسهيل أعماله وتسيير مصالحه، فتلك بديهيات معلومة بالضرورة، أو على الأقل يجب أن تكون كذلك. ولكن يبدو أن مصر فى تلك المرحلة، وهى تستحدث نظما وسياسات وأخلاقيات، نجحت أيضا فى استحداث أصول وقواعد جديدة، باتت بالتراكم من المعلوم بالضرورة.. فالفساد معلوم فى مصر بالضرورة، وتزوير الانتخابات معلوم بالضرورة، والاستبداد بالحكم معلوم بالضرورة، سوء المعاملة والتعذيب فى أقسام الشرطة معلوم بالضرورة، هدر كرامة المواطن وحقوقه معلوم بالضرورة.. وهكذا.
فالمشهد العام فى مصر الآن يبدو وكأن الناس وقعوا عقد إذعان كاملا مع الحكومة والنظام على قبول الفساد، واعتباره أحد عاديات الحياة ومن تفاصيلها اليومية؛ مثل سماع الشتائم فى الشوارع، ورشوة بعض رجال المرور، والاستغلال، والاستحلال، وكل الأشياء "العادية" التى يتنفسها المصريون ويعايشونها ويحفظونها عن ظهر قلب حتى باتت معلومة بالضرورة.
لذلك لم يلتفت أحد حكومة وشعبا إلى ما أثير حول رشاوى شركة مرسيدس لبعض المسؤولين فى مصر، فالناس لا يعتبرون فى ذلك خبرا ولا حادثة ولا مفاجأة، لأنهم يرون بأعينهم كل مظاهر الفساد بشكل يومي، ولا يرون جديدا فى أن يقال أن الغول "عينه حمرا"، ولا حتى القرد رغم اختلاف المواضع، والحكومة أيضا لا يعنيها ما يقال مادامت لن تدفع ثمنا، فرأى الشعب، والرأى العام داخليا وخارجيا لا يمثل لها ضغطا، مادام لا يشكل تهديدا، أما صورتها فهى تعلم جيدا مدى رداءتها وقبحها، كما تعلم بأنها لا تمثل الشعب ولا يريدها، ولا هى تريده، ولكنها مجرد سلطة فوقية، فقط تدير مصالحها الشخصية كحكومة رجال أعمال، وتحاول قدر المستطاع ألا توصل هؤلاء الناس إلى درجة الغضب التى تجعلهم ينهشونها، وبالتالى فلم ترد على ما قيل فى فضيحة المرسيدس، ولم يجبرها أحد على ذلك، باعتباره ضمن ما هو معلوم من الفساد بالضرورة.
هذا فى مصر الآن.. أما فى الشعوب والأمم الحية فمن الطبيعى إذا رأى الناس لصا أن يصيحوا "امسك حرامى"، وهكذا كانت مصر قديما، قبل أن يرش لها أحدهم فيروس الفساد فى هوائها ومياه نيلها، ليصبح الشعب أيضا أحد أركان الفساد الأساسية فى هذا الوطن، فالمصريون قديما –كما كان يقال عنهم فلكلوريا- كانوا يزأرون ويثورون ويغضبون إذا استشعروا إهانة أو ظلما، وقت أن كانت الكرامة من المعلوم فى مصر بالضرورة. أما اليوم فلا يثور الناس إلا فى وجوه بعضهم البعض؛ فى الشوارع والطرقات، فى الميكروباصات ووسائل المواصلات، وكل أماكن التجمع والزحام، ويشعر أى متجول فى مصر أو زائر أو سائح أن هذا الشعب يضج بالحماسة، ولا يطيق أن يدوس له أحد على طرف، ولا يمكن أن يقبل الحال المائل.. بينما واقع الأمر أنه لا يتعالى إلا على نفسه، ولا يثور إلا على من يستضعفه، بينما ترتعد فرائص الرجال منهم رعبا من مجرد مخبر يكشر عن هويته، أو أى شخص آخر معلوم سلطته بالضرورة، مثل الأغنياء والمقربون والمحاسيب. تلك الحالة الفاسدة، التى انتقلت من أعلى إلى أسفل فى مصر، لتحول الشعب إلى فاسد بالتضامن، يرى اللص ولا يوقفه، ويرى القبح ولا يستهجنه، ويرى الفساد ولا يستهوله.. وبذلك لم تعد الحكومة فقط هى الفاسدة، وإنما حولت الشعب أيضا إلى فاسد بالضرورة.
شريف محمد
رد: المعلوم من الفساد بالضرورة
خلاص الشعب استيقظ وقال للفساد لا باعلي الاصوات الله المستعان
شكرا يابو محمد
شكرا يابو محمد
سمكة القصير
مواضيع مماثلة
» الفساد على اصله
» دولة الفساد لم تسقط بعد
» بداية رحيل الفساد من سفاجا
» "القضاء الأعلى" يقرر بث محاكمات الفساد على الهواء مباشرة
» نيابة الغردقة تفتح ملفات الفساد فى أراضي البحر الأحمر
» دولة الفساد لم تسقط بعد
» بداية رحيل الفساد من سفاجا
» "القضاء الأعلى" يقرر بث محاكمات الفساد على الهواء مباشرة
» نيابة الغردقة تفتح ملفات الفساد فى أراضي البحر الأحمر
مـنـتـديـات الـقـصـيـر الـبـحـر الأحـمــر :: مـــجــلة مـنـتـــديــات القـصـــيـر :: أخـبـــــــار مــصــر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى